بعد حوالي ثلاثة أشهر من بدء الانتداب البريطاني الرسمي على فلسطين قامت حكومة الانتداب بإجراء أول تعداد للسكان في 23 تشرين الأول / أكتوبر / 1922، تبعه تعداد آخر في نوفمبر 1931، ويعتبر التعداد الثاني أكثر دقة من سابقه بسبب التفصيلات التي احتواها، من احصاءات حيوية، واحصاءات حول الهجرة، فضلاً عن احتواء عملية الاحصاء وما تلاها على تحليل سكاني. وقد أشارت معطيات الاحصاءات البريطانية الى أن مجموع سكان فلسطين قد بلغ في عام 1919 (700) ألف، ارتفع الى (762) ألفاً في عام 1921 منهم (76.9) في المائة مسلمون، و(10.6) في المائة يهود، و(11.6) في المائة مسيحيون، و(0.9) في المائة آخرون.
وأخذ مجموع سكان فلسطين بالارتفاع ليصل الى (1035800) نسمة منهم (1157400) مسلم (59.
في المائة، واليهود ( 174600) يهودي (16.9) في المائة (91400) مسيحي (8.
في المائة، وآخرون (10100) يمثلون نحو واحد في المائة فقط من سكان فلسطين في عام 1931.
وبشكل عام فإن حكومة الانتداب البريطاني ساهمت الى حد كبير الى تحول اليهود من أقلية دينية الى جماعة لها ثقلها العددي في فلسطين، فزاد عدد اليهود من حوالي (84) ألفاً عام 1922، الى حوالي (650) ألفاً في 15 أيار/مايو عام 1948، وأدت تلك الزيادة الى رفع نسبتهم الى جملة سكان فلسطين من (11) في المائة الى (31) في المائة خلال الفترة (1922-1948)، وقد ساهمت الهجرة خلال الفترة المذكورة بنحو (400) ألف يهودي، من مجموع الزيادة الكلية لهم والبالغة (566) ألفاً. وتشير الاحصاءات البريطانية الى ارتفاع مجموع سكان فلسطين من (757) ألفاً في عام 1922 الى (2.1) مليون نسمة عام 1948، من بينهم ( 1450000) عربي فلسطيني. ويمكن الاشارة الى أن الحركة الصهيونية استطاعت خلال الفترة (1897-1948) تحقيق هدف ديموغرافي هام تمثل بتجميع (650) ألفاً من يهود العالم في فلسطين، هذا فضلاً عن امتلاك (1800) كيلو متراً مربعاً، تشكل (6.6) في المائة من مساحة فلسطين البالغة (27009) كيلو متراً مربعاً، وقد ارتكبت بحق العزل الفلسطينيين (18) مجزرة في فترة الاحتلال البريطاني ذهب ضحيتها 300 شهيد، ومع انشاء اسرائيل في أيار 1948 تكون الحركة الصهيونية قد حققت هدفها في انشاء الدولة اليهودية بعد خمسين عاماً من المؤتمر الصهيوني الأول في بال، و لتحقيق القسم الديموغرافي من التطلعات الصهيونية، تمّ طرد نحو (850) الف فلسطيني من ديارهم خلال عامي 1947 و 1948، وتغير تبعاً لذلك اتجاه التطور الديموغرافي للعرب الفلسطينيين قسراً، إذ كان للتهجير القسري وقعاً وأثراً كبيراً على الأوضاع الديموغرافية وعلى النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
وتجدر الاشارة الى أن فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1920 – 1948) قد شهدت موجات هجرة يهودية مكثفة منها: موجة الهجرة الثالثة (1919-1923) و قد تم تهجير نحو (35100) يهودي باتجاه فلسطين، والهجرة الرابعة (1924-1931) فتمّ تهجير نحو (78898) يهودياً باتجاه فلسطين معظمهم من ألمانيا ودول أوروبا الغربية وبولندا، في حين تمت الهجرة الخامسة (1932-1939)، وتم خلالها تهجير نحو (224784) يهودياً باتجاه فلسطين، وهي الهجرة الأهم في تاريخ الحركة الصهيونية، وقد استغلت الحركة الصهيونية الظروف الدولية السائدة خاصة في ألمانيا، وجذبت المزيد من اليهود الى فلسطين عبر اغراءات مختلفة، مادية ومعنوية، أما موجة الهجرة السادسة (1940-1948) فقد تمّ إبانها جذب (118300) يهودي الى فلسطين عبر تمويل المؤسسات والمنظمات اليهودية المنبثقة عن الحركة الصهيونية، وقد رافق التسلل اليهودي الى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، بناء مزيد من المستعمرات اليهودية، فوصل عدد المستعمرات اليهودية الى (110) مستعمرة في عام 1927 ما لبث أن ازداد الى (291) مستعمرة زراعية حتى عام 1948. وهو العام الذي تم فيه الاعلان عن انشاء اسرائيل في الخامس عشر من أيار.
اذاً، بريطانيا مسؤولة مسؤولية سياسية وقانونية واخلاقية عن بروز نكبة الفلسطينيين في عام 1948 للاسباب التالية:
1- كان لوعد بلفور في عام 1917 الاثر المباشر في فتح ابواب الهجرة اليهودية على مصرعيها الى فلسطين.
2- انهت احتلالها لفلسطين في 14 ايار 1948 ومكنت العصابات الصهيونية التي شكلت نواة الجيش الاسرائيلي فيما بعد من الاستيلاء على القسم الاكبر من اراضي فلسطين التاريخية.
3- تم ارتكاب 18 مجزرة في فترة الاحتلال البريطاني لفسطين، وبسب مساعدة بريطانيا في اقامة دولة اسرائيل ارتكبت العصابات الصهيونية في عام 1948 (44) مجزرة ضد العزل الفلسطينيين ذهب ضحيتها (2500) شهيد.
وتبعاً لذلك تتحمل اوروبا ودول الاتحاد الاوروبي الذي تنتمي اليه بريطانيا مسؤولية سياسية واخلاقية وقانونية ازاء قضية اللاجين وحلها حلاً عادلاً يضمن العودة الى وطنهم.
التطور الديموغرافي للشعب الفلسطيني (1948 – 2005)
كان لتشريد (850) ألف فلسطيني من ديارهم خلال عامي 1947 و 1948 الأثر البارز في اتجاهات التطور الديموغرافي للشعب العربي الفلسطيني بعد عام 1948، فمع العام المذكور تم انشاء اسرائيل على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية كما أشرنا في مكان سابق في الدراسة (27009) كيلو متراً مربعاً.
بداية لا بد من الاشارة الى أنه من بين (531) قرية وخربة فلسطينية تم تهجير أهلها في عامي 1947 و1948، فإن هناك (90) في المائة من تلك القرى نزح أهلها عنها بسبب هجوم عسكري يهودي صهيوني، و(10) في المائة تحت الحرب النفسية وايحاءات بتوقع هجوم قادم.
وبناءً على عمليات التهجير القسري التي طالت نحو نصف مجموع الفلسطينيين في عام 1948، أصبح التوزع الديموغرافي للشعب الفلسطيني في عام 1949 كما يلي:
على الرغم من الطرد القسري الذي طال نصف مجموع الفلسطينيين، فإن أراضي فلسطين، سواء تلك التي أقيمت عليها اسرائيل، أو الضفة الغربية، وقطاع غزة، فقد بقيت تستأثر بنحو (80.5) في المائة من اجمالي المجموع العام للشعب الفلسطيني، حيث استحوذت الضفة على (323) ألفاً من اللاجئين وقطاع غزة على (219.3) لاجئاً، في حين اضطر نحو (19.5) في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني، يمثلون نحو (307.2) آلاف لاجئ، للهجرة قسراً الى الدول العربية المجاورة لفلسطين، إثر نكبة عام 1948، منهم (97.
ألفاً إلى سورية، و(115.6) ألفاً الى لبنان، و(80.
ألفاً الى الأردن، والى العراق (4300) لاجئاً، والى مصر (8500) لاجئاً.
وتبعاً لمعدلات النمو السائدة بين الشعب الفلسطيني فإن مجموع الفلسطينيين ارتفع من (644000) عام 1918، الى (668258) فلسطينياً في عام 1922 ثم الى (858707) في عام 1931، وأخيراً الى (1415000) في عام 1948، في حين بلغ مجموع اليهود في الأعوام المذكورة في فلسطين (50) ألف يمثلون (7.2) في المائة من مجموع سكان فلسطين البالغ في عام 1918 (694000) نسمة، ارتفع مجموع اليهود الى (83790) في عام 1922 يمثلون (11.1) في المائة من مجموع سكان فلسطين البالغ آنذاك (752048) نسمة، ثم ارتفع مجموع اليهود الى (174606) يهودياً يمثلون (16.9) في المائة من اجمالي سكان فلسطين في عام 1931 و البالغ (1033313) نسمة، وما لبث أن ارتفع مجموع اليهود نتيجة فتح أبواب الهجرة على مصرعيها في فترة الانتداب البريطاني، وليصل مجموعهم الى (650000) يهودي يمثلون (31.5) في المائة من مجموع سكان فلسطين البالغ (2065000) نسمة.
وقد أدت النكبة وتهجير (60.7) في المائة من اجمالي محموع الشعب الفلسطيني خارج دياره، الى إعادة توزيع الخارطة السكانية للفلسطينيين لتصبح كما يلي:
أولاً: السكان الذين صمدوا في ديارهم داخل الخط الأخضر وعددهم في عام 1949 نحو (156) ألفاً من العرب الفلسطينيين.
ثانياً: السكان الذين نجوا من الاحتلال في الضفة الغربية التي بقيت تحت الحكم الأردني حتى عام 1967، وبلغ مجموع سكانها بما فيهم اللاجئون نحو (817) فلسطينياً في عام 1949.
ثالثاً: قطاع غزة الذي بقي حتى عام 1967 تحت الادارة المصرية، وبلغ مجموعهم في عام 1949 بما فيهم اللاجئون (299.3) ألفاً.
رابعاً: وهناك ثمة (307) آلاف عربي فلسطيني أصبحوا خارج فلسطين، في سورية ولبنان، والأردن، وما لبث ان هاجر العديد منهم بعد عام 1949 الى المهاجر الأوروبية والأمريكية ذات الجذب الاقتصادي.
وبعد عام 1967، واحتلال الضفة الفلسطينية وقطاع غزة وطرد نحو (460) ألفاً من السكان الفلسطينيين منها، ظهرت خارطة توزع جديدة للفلسطينيين أخذت تتضح بعد سيل الهجرة القسرية تحت وطأة ضيق القاعدة الاقتصادية الفلسطينية في الضفة والقطاع، التي نالت منها السياسات الاقتصادية للسلطات الاسرائيلية (1967-2005)، فاضطر نحو (275) ألفاً من الفلسطينيين للعمل خارج الضفة والقطاع في مناطق الجذب الاقتصادي العربية، ويلحظ المتتبع للتوزع الديموغرافي الفلسطيني أن الأردن أصبح أكثر الدول و المناطق التي يتركز فيها فلسطينيون بعد عام 1967، وهم بطبيعة الحال من اللاجئين والنازحين لعام 1948 و1967. وقد أشارت معطيات المجموعات الاحصائية الصادرة عن مكتب الاحصاء الفلسطيني في دمشق بأن مجموع الشعب العربي الفلسطيني قد وصل الى (4566153) فلسطينياً في عام 1981، ارتفع الى (5630610) في عام 1990، وتبعاً لمعدلات النمو السائدة بين الشعب الفلسطيني والبالغة في خلال الفترة (1990-2005) حوالي (3.5) في المائة، فإن مجموع الشعب الفلسطيني قد وصل الى (7389154) في عام 1998، ثم الى (7647774) فلسطينياً في عام 1999، وتم تقدير المجموع في عام 2005 بنحو (9.5) مليون فلسطيني.
اما التوزع السكاني للفسطينين فبقي على حاله، أي (45.6) في المائة من مجموع الفلسطينيين هم داخل أرضهم، في حين يوجد خارج فلسطين من الفلسطينيين (54.4) في المائة من المجموع العام لتعداد الشعب الفلسطيني المقدر في عام 2005، خاصة وأن اسرائيل ترفض من حيث المبدأ تطبيق القرار (194) القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وأرضهم المحتلة في عام 1948، وكذلك ترفض تطبيق القرار الدولي (237) القاضي بعودة نازحي عام 1967 الى ديارهم ووطنهم في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.
ويذكر أن مجموع اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا في عام 1948 قدر عددهم في أواسط عام 2002 بنحو (3973360) لاجئاً، وارتفع الى (4.5) مليون عام 2005 بناء على معطيات تقارير الاونروا والاسقاطات التي تعتمد عليها، بيد أن هناك تقديرات أخرى تصل الى خمسة ملايين لاجئ، إذ تم اسقاط التسجيل عن آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سجلات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لأسباب مختلفة منها الهجرة، وتقديرات الأونروا لجهة التسجيل من عدمه. وفي السياق نفسه فإن مجموع النازحين الفلسطينيين الذين هجّروا تحت وطأة الدبابات الاسرائيلية من الضفة و القطاع في عام 1967، قد ارتفع من (